دمج قسد في سوريا- تحديات السويداء، التدخل التركي، ومستقبل الأكراد

المؤلف: رمضان بورصة08.22.2025
دمج قسد في سوريا- تحديات السويداء، التدخل التركي، ومستقبل الأكراد

في مستهلّ عام 2025، وبالتحديد في العاشر من مارس، شهدت الساحة السورية خطوة مفصلية نحو توحيد الصفوف، وذلك عبر اتفاق تاريخي يرمي إلى دمج القوات الكردية في نسيج الدولة السورية. هذا الاتفاق، الذي أعقب لقاءً مثمرًا جمع الرئيس السوري أحمد الشرع، والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، مظلوم عبدي، يمثل بارقة أمل في سماء الأزمة السورية.

وفي التاسع من يوليو من العام نفسه، احتضنت العاصمة دمشق لقاءً ثانيًا جمع بين الرئيس الشرع وعبدي، بحضور وازن للسفير الأميركي في أنقرة والمبعوث الخاص إلى سوريا، توم باراك. هذا اللقاء، الذي جاء بعد أن كانت "قسد" قد أعلنت في يونيو عن طموحها في إقامة دولة "ديمقراطية ولا مركزية"، عكس تعقيدات المشهد السياسي السوري.

غير أن التصريحات الصادرة عقب اللقاء الثاني كشفت عن تعثر مسيرة المفاوضات بين حكومة دمشق وقوات سوريا الديمقراطية، وأن العملية لا تسير بالوتيرة المنشودة، مما أثار مخاوف بشأن مستقبل هذا المسعى التوحيدي.

وفي خضم هذه المفاوضات المتعثرة، ألقت الاشتباكات الدامية التي اندلعت في مدينة السويداء، الواقعة جنوب سوريا، بظلالها القاتمة على المشهد. هذه الاشتباكات، التي جمعت بين المليشيات المسلحة الموالية للزعيم الدرزي حكمت الهجري، المدعوم من إسرائيل، والعشائر العربية البدوية، أثرت سلبًا على مسار الحوار مع الوفد الكردي.

ومما زاد الطين بلة، تدخل إسرائيل السافر لصالح حكمت الهجري في معارك السويداء، وقصفها لمواقع حساسة للجيش السوري في دمشق، الأمر الذي دفع الجماعات الكردية في شرق الفرات إلى إعادة تقييم حساباتها ومواقفها.

اللقاء الثاني في دمشق

بينما كانت سوريا تتأهب لمرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، كانت تركيا تحشد قواتها وتضع الخطط لتنفيذ عملية عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية، وذلك في إطار سعيها لضمان أمن حدودها الجنوبية.

وفي هذا السياق، صرح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بأن بلاده "قبلت عرض دمشق لإعطاء فرصة للمفاوضات والدبلوماسية"، مؤكدًا أن أنقرة تراقب عن كثب الحوار بين دمشق وقسد، ولكنها لن تتردد في التدخل عسكريًا إذا لم تثمر هذه المفاوضات عن نتائج ملموسة.

وقد أبدت تركيا تصميمًا قاطعًا على عدم السماح بوجود أي كيان مسلح على حدودها لا يتبع لحكومة دمشق، وهو موقف يعكس حرصها على وحدة الأراضي السورية واستقرارها.

وقد استقبلت تركيا بارتياح الاتفاق الذي تم توقيعه في مارس 2025 بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي، معربة عن أملها في أن يتم تنفيذه على أرض الواقع بما يحقق تطلعات الشعب السوري.

إلا أن اللقاء الثاني الذي عقد في يوليو لم يكن بالقدر نفسه من الإيجابية، حيث أصر مظلوم عبدي على مطلب إقامة دولة "لامركزية"، وهو ما اعتبرته حكومة دمشق "محاولة لفرض واقع انفصالي" ورفضته بشكل قاطع.

وقد أكد المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم باراك، أن الخلاف حول دمج شمال شرق سوريا لا يزال قائمًا بين دمشق وقسد، مما يعكس عمق الهوة بين الطرفين.

ويعود السبب الرئيسي لعدم تحقيق تقدم ملموس في اللقاء الثاني بدمشق إلى تباين الرؤى والمصالح، حيث تتبنى تركيا وسوريا والولايات المتحدة خطة "سوريا موحدة"، بينما تميل "قسد" إلى الطرح الإسرائيلي الداعي إلى "سوريا مقسمة".

تأثير أحداث السويداء

لا شك أن الأزمة المتفاقمة في السويداء، والتدخلات الإسرائيلية التي تهدف إلى تأجيجها، لا تؤثر فقط على جنوب سوريا، بل تمتد تداعياتها لتشمل سوريا بأكملها، مما ينذر بمخاطر جمة على وحدة البلاد واستقرارها.

وتستغل إسرائيل الاشتباكات الدائرة في السويداء بين قوات حكمت الهجري المدعومة منها والعشائر العربية البدوية، من أجل تنفيذ مشروع "ممر داود"، الذي يهدف إلى نشر الفوضى وزعزعة الاستقرار في جميع أنحاء سوريا.

وقد أدى انسحاب قوات الأمن السورية من السويداء، بموجب اتفاق تم بوساطة أميركية بين الحكومة السورية وإسرائيل، إلى دفع "قسد" للتحرك بما يتعارض مع اتفاق مارس 2025، مما يزيد من تعقيد المشهد.

وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الاشتباكات في السويداء وتشن فيه إسرائيل غارات على دمشق، تتواتر الأنباء عن استعدادات عسكرية لقوات سوريا الديمقراطية في الرقة، مما يثير الشكوك حول نوايا هذه القوات.

وعلى الرغم من العلاقة الإستراتيجية الوثيقة التي تربط الولايات المتحدة بقسد منذ أكثر من 15 عامًا، إلا أن "قسد" تبدو أقرب إلى إسرائيل في الملف السوري، وذلك لأن مشروع "ممر داود" الإسرائيلي يتضمن إقامة حكم ذاتي أو فدرالية في كل من السويداء وشرق الفرات.

وتؤدي هذه الأحداث المؤسفة في السويداء، والتدخلات الإسرائيلية السافرة، إلى تأخير عملية دمج قوات سوريا الديمقراطية في الدولة السورية، وتهيئ الأرضية لعودة نشاط الجماعات المتطرفة التي تشكلت من بقايا نظام بشار الأسد في المنطقة الساحلية، مما يهدد الأمن والاستقرار. كما كشفت أزمة السويداء عن وجود علاقة وثيقة وتنسيق كبير بين إسرائيل وحكمت الهجري وقسد.

وفي هذا السياق، أجرى وزير الخارجية الإسرائيلي ساعر اتصالًا هاتفيًا مع القيادية البارزة في "قسد" إلهام أحمد، وأبلغها بأن إسرائيل ستقدم الدعم الكامل للأكراد، بحسب ما ذكرته صحيفة "يسرائيل هيوم".

تركيا في حالة تأهب

تراقب تركيا عن كثب وبصبر عملية دمج "قسد" في الدولة السورية، وفي الوقت نفسه تراقب بحذر شديد الأزمة المتفاقمة في السويداء، وتعي جيدًا أن أي تطورات سلبية محتملة في هذه المنطقة لن تقتصر على السويداء وحدها، بل ستمتد لتشمل سوريا بأكملها.

وتُقيّم المؤسسات التركية المختصة أن خروج السويداء عن سيطرة حكومة دمشق، وإقامة حكم فدرالي أو شبه فدرالي في جنوب سوريا، من شأنه أن يشكل سابقة خطيرة للمناطق السورية الأخرى.

وهذا التقييم للمؤسسات التركية المختصة لا يعني فقط أن أي وضع قد ينشأ في منطقة "قسد" على حدود تركيا يعتبر تهديدًا لأمن تركيا، بل يؤكد أيضًا أن أي وضع محتمل في السويداء سيؤثر على مناطق أخرى، وبالتالي سيشكل تهديدًا للأمن القومي التركي.

وقد كان تصريح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بشأن أحداث السويداء والهجمات الإسرائيلية واضحًا وصريحًا، حيث شارك فيدان رؤية تركيا الجديدة لـ"تهديد الأمن القومي" فيما يتعلق بسوريا، وذلك في الثاني والعشرين من يوليو.

وقال فيدان في تصريحه:

"يجب على جميع الجماعات أن تنأى بنفسها عن أي توجه نحو التقسيم. لدينا الكثير لنتحدث عنه عبر الدبلوماسية والحوار. كل شيء قابل للنقاش، والمناقشات جارية مع جميع الجماعات والعناصر. ولكن إذا تجاوزتم ذلك واتجهتم نحو التقسيم وزعزعة الاستقرار باستخدام العنف، فإننا سنعتبر ذلك تهديدًا مباشرًا لأمننا القومي وسنتدخل بكل حزم. ناقشوا ما شئتم باستثناء التقسيم، وقدموا ما لديكم من مطالب، وسنساعدكم قدر استطاعتنا في هذا الشأن، ولكن عندما تتجاوزون هذا الحد، فلن نعرض أنفسنا لأي تهديد".

"أما إسرائيل، فهي تسعى جاهدة لتخريب كل هذه المبادرات الرامية لتحقيق السلام والاستقرار والأمن في سوريا. هناك حقيقة يجب قولها بوضوح: إسرائيل، التي لا ترغب في رؤية دولة مستقرة في محيطها، تهدف بكل وضوح إلى تقسيم سوريا".

وبدوره، صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أثناء عودته من جمهورية شمال قبرص التركية، في حديث للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية، بوضوح تام حول سوريا قائلًا: "إسرائيل تسعى باستمرار لإشعال المنطقة بأكملها. الرئيس السوري أحمد الشرع أظهر موقفًا حازمًا في السويداء وحافظ على السيطرة. نحن مصممون على دعم الشرع ولن نتركه وحيدًا في سوريا. لا نريد تقسيم سوريا".

وتظهر تصريحات كل من أردوغان وفيدان أن تركيا قد غيرت وقوّت وشددت من نهجها تجاه التهديدات التي قد تطال أمنها القومي عبر سوريا.

فبينما كانت تركيا في السابق تعتبر التطورات في شرق الفرات تهديدًا لأمنها القومي، أصبحت الآن تعتبر جميع الأعمال والتحركات الرامية إلى تقسيم سوريا بأكملها تهديدًا وجوديًا لأمنها القومي، وتصرح بوضوح أنها ستتدخل بكل قوة في مثل هذه الحالة.

إن "سياسة الأمن القومي" الجديدة التي طورتها تركيا على خلفية أزمة السويداء ستشكل عائقًا جديًا أمام انخراط "قسد" بسهولة في خطة "ممر داود" الإسرائيلية. كما أن الموقف التركي الجديد في سوريا سيجعل من الصعب على "قسد" تطبيق سياستها المماطلة والمؤجلة لعملية الاندماج في الدولة السورية.

سياسة الولايات المتحدة تجاه الأكراد في سوريا

تتبع الولايات المتحدة سياسة ترمي إلى دعم عملية دمج "قسد" في الدولة السورية، وتُظهر في هذه العملية تعاونًا وثيقًا مع كل من تركيا وحكومة دمشق، وذلك بهدف تحقيق الاستقرار في المنطقة.

ويدعو السفير الأميركي في تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا، توم باراك، إلى ضرورة تحرك "قسد" بشكل أسرع نحو الاندماج في الدولة السورية، مؤكدًا أن ذلك يصب في مصلحة جميع الأطراف.

وفي مقابلة مع قناة "سي إن إن ترك"، صرح باراك قائلًا: "قسد هي وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني. ليس لدينا أي التزام تجاههم بإقامة دولة مستقلة"، مُظهرًا بذلك تبنيه سياسة تركيا التاريخية تجاه هذه القضية.

والجدير بالذكر أنه في حين تؤكد تركيا دائمًا أن "قسد" وحزب العمال الكردستاني كيان واحد، وأن "قسد" ليست سوى امتداد لحزب العمال الكردستاني في سوريا، كانت الولايات المتحدة تعترض دائمًا على هذا الطرح، وتؤكد أنها ترى "قسد" مختلفة عن حزب العمال الكردستاني وأنها أقوى حلفائها في المنطقة.

كما صرح توم باراك بوضوح في مؤتمر صحفي عقده الأسبوع الماضي في واشنطن، بأنه لا خيار أمام "قسد" سوى الاتفاق مع دمشق، وأن الولايات المتحدة لا تدعم أي شكل من أشكال تقسيم سوريا.

ويتضح لنا أن تركيا والولايات المتحدة وحكومة دمشق تتبنى سياسات متقاربة جدًا تجاه سوريا، وتسعى إلى تحقيق الاستقرار والسلام في هذا البلد. أما إسرائيل، فلديها أجندة مختلفة تمامًا، وتسعى لتحقيق أهدافها الخاصة في الأراضي السورية، سواء بشكل مباشر أو عبر حلفائها.

وفي هذا الإطار، نرى أن الزعيم الدرزي حكمت الهجري يتبنى سياسة إسرائيل في سوريا، بينما تقف "قسد" أقرب إلى إسرائيل منها إلى أميركا، وهو ما يعكس تعقيدات المشهد السياسي في سوريا.

في الختام

يُقدَّر أنه لا يوجد خيار آخر أمام قوات سوريا الديمقراطية سوى الاندماج الكامل في الدولة السورية، وأن إتمام عملية المفاوضات مع دمشق في أسرع وقت ممكن سيؤدي إلى نتائج أفضل بكثير بالنسبة لقسد.

ومن الواضح تمامًا أن تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي تحرك عسكري محتمل من جانب "قسد" في شرق الفرات، سواء كان مرتبطًا بالتطورات الأخيرة في السويداء أو مستقلًا عنها، وأنها ستتدخل عسكريًا لحماية أمنها القومي.

وبالمثل، يمكن القول بثقة أنه في حال تصاعد أزمة السويداء ووصولها إلى نقطة قد تؤدي إلى تقسيم سوريا، فإن تركيا لن تتردد في الاهتمام بالشأن السويدائي، واستخدام جميع إمكاناتها المتاحة للتدخل، وذلك بهدف الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومنع أي محاولة لتقسيمها.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة